image

وجوب النظر و المعرفة شرعي أم عقلي ؟

                  وجوب النظر و المعرفة شرعي أم عقلي ؟


    اتفق المسلمون جميعاً على وجوب النظر و البحث لتحصيل المعرفة بوجود الله تعالى وصفاته و أفعاله , ولكن وقع النزاع بينهم في أنه من الذي أوجب على الإنسان أن يبحث ويستدل كي يحصل العلم بأصول العقائد هل هو عقل الإنسان من ألزمه بذلك أم أن الشارع المقدس هو من أوجب عليه هذا البحث و التحصيل ؟

   لقد وردت نصوص شرعية كثير من آيات كريمة و روايات شريفة تحث الإنسان على البحث و النظر في أصول العقائد , فعندما نزل قوله تعالى: (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)آل عمران١٩٠

قال النبي صلى الله عليه واله : ( ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها ) أي ويل لمن قرأها ولم يفكر فيها ويستفيد منها ، فقد رتب الذم على عدم التدبر في آيات الله سبحانه وتعالى والتفكر فيها والاستدلال بها على وجود خالق الكون وأن هذا الخالق قادر عالم , وهذا الذم لعدم النظر والاستدلال يدل على وجوب النظر والاستدلال شرعاً , وإلا لِمَ يذم النبي صلى الله عليه و آله من لم يتدبر ويفكر في خالق الكون وتوعّده بالعذاب فإن (الويل) وادي في جهنم لو لم يكن هذا النظر و الاستدلال واجباً؟.

   ولكن الدليل العقلي هو الأساس في هذه الاعتقادات خصوصاً في مسألة إثبات وجود الخالق وأنه واحد لا شريك له واثبات النبوة لنبينا الأعظم صلى الله عليه واله ؛ لأن الإنسان قبل أن يعتقد بالله تعالى وبنبوة النبي وعصمته , وأن القران كتاب الله المنزل إلى الناس لا تكون ــ قبل هذا الاعتقاد ــ الآيات والروايات حجةً ، عليه فلا يمكن أن نقول لمن لا يؤمن بالله تعالى : 

يجب عليك أن تفكر وتستدل على وجود الله تعالى وباقي الاعتقادات ؛ لأن القران يأمرك أو لأن النبي صلى الله عليه واله يأمر بذلك.

 وهذا واضح , فهو لا يؤمن بالله تعالى بعد , ولا بالنبي فكيف يكون كلامهما ملزماً له ؟ , وهذا بخلاف الدليل العقلي فإنه حجة على جميع العقلاء لأنهم جميعاً يعتقدون بحجية ما يتوصل إليه العقل و يحكم به حكماً قطعياً.

    وبعبارة أخرى , إن القول بأن وجوب النظر و المعرفة شرعي يستلزم الدور ؛ لأن المعرفة حينئذ تكون متوقفة على النصوص الشرعية من آيات و روايات , و من جهة ثانية يكون ثبوت الحجية لهذه النصوص متوقف على النظر و المعرفة ؛ فمن لم ينظر و يبحث لا تثبت عنده حجية هذه النصوص حتى يتمكن من الاستدلال بها على و جوب النظر و المعرفة . 

فتكون النصوص الشرعية الدالة على وجوب النظر و المعرفة التي ذكرنا نماذجاً منها نصوصاً إرشادية , ترشد إلى ما يستقل العقل بإدراكه من وجوب البحث عن أصول العقائد , وليست بالأوامر المولوية التأسيسة.



  • شارك الموضوع :