image

شمس غَيبها السحاب

شمس غَيبها السحاب

 

      لقد وردت نصوص من ثلاثة معصومين تشبه الإمام المهدي عليه السلام في غيبته بالشمس عندما يغيبها السحاب :

1.    سئل رسول الله صلى الله عليه و آله : هل ينتفع الشيعة بالقائم عليه السلام في غيبته ؟

فقال صلى الله عليه و آله :

(إي و الذي بعثني بالنبوة , إنهم لينتفعون به , و يستضيئون بنور ولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس و إن جللها السحاب )

 

2.  روى سليمان بن مهران الأعمش عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال :

(لا تخلو – أي الأرض – إلى أن تقوم الساعة من حجة الله فيها , و لولا ذلك لم يعبد الله .

قال سليمان : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور ؟

قال عليه السلام :

كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب )


3.  روي عن الإمام المهدي عليه السلام أنه قال :

( أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب , و إني أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء )

 


   و يمكن أن نحصي مجموعة من وجوه الشبه بين غيبة الإمام المهدي عليه السلام , و بين غيبة الشمس خلف السحاب :


1.  عموم الاستفادة من وجوده المقدس

          فوجود الشمس لا يختص نفعه بفئة دون أخرى أو شخص دون آخر بل هو عام يشمل الجميع , وكذلك وجود الإمام المهدي عليه السلام عام في نفعه , وقد أشارت الروايات إلى نوعين من هذا الانتفاع :

أ‌-    نفع عام لجميع الناس :

وهو أن وجوده المبارك أمان لأهل الأرض من أن ينزل بهم العذاب الإلهي بصورة عامة كما كان يحصل في الأمم السابقة , فالإمام المهدي عليه السلام هو الامتداد الطبيعي و الرسالي لوجود النبي صلى الله عليه و آله وقد قال تعالى فيه :

( و ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم و ما كان الله معذبهم وهم يستغفرون)

وقال عليه السلام :

(و إني أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء)

و قوله عليه السلام :

( لولا الحجة لساخت الأرض بأهلها )

ب‌- نفع عام لجميع المؤمنين :

فهو عليه السلام مصدر هداية لشيعته , و هذه الهداية تتجلى في عصر الغيبة الصغرى بما يصدر منه عليه السلام لشيعته من خلال سفرائه رضوان الله عليهم في مختلف المجالات الفقهية و العقائدية و التربوية و الاجتماعية و غيرها.

و أما في عصر الغيبة الكبرى فهدايته لشيعته تتمثل بتسديد نوابه العامين ومنعهم من الاجتماع على ما يخالف الحكم الواقعي , و اجتماعه ببعض خواص شيعته , و دعاؤه لهم .

و قد شار النبي الأكرم صلى الله عليه و آله إلى هذا القسم من النفع بقوله :

( إنهم لينتفعون به و يستضيئون بنور ولايته )

 

2.  الوضوح في حال الغيبة

     فالشمس في حال غيبتها وراء السحاب تكون واضحة جلية و لا يمكن لشخص لا يرى قرصها أن ينكر وجودها , فإن أثرها من الدفء و الإضاءة شاهدا عدل على وجودها.

وكذلك أمر الإمام المهدي في حال غيبته , فإن الاحاديث الكثيرة التي فاقت حد التواتر و التدابير التي اتخذها المعصومون عليهم السلام لإثبات و ترسيخ وجوده المبارك , لم تترك مجالاً لمشكك أو منكر إلا أن يكون معانداً جاحد أو كسول غير مبالِ في أمر دينه و اعتقاده , و إلا فإن أدنى بحث يجريه الإنسان كفيل لأن يهديه إلى سواء السبيل فيذعن بوجوده المقدس .

3.  اجتماع الغيبة و الحضور

   الشمس في حال جللها السحاب من أوضح مصاديق اجتماع الغيبة و الحضور , فقرصها غائب عن العيون ولكنها لا تزال في الوجود , واثارها مستمرة باقية , وكذلك الإمام المهدي عليه السلام فهو الغائب الحاضر , إذ غيبته غيبة عنوان لا غيبة شخصه المبارك , فبركات وجوده تفيض على الناس و إن كانوا لا يعرفون شخصه.

 

4.  الاستفادة بحسب القابل لا بحسب الفاعل

  فالشمس في حال غيبتها وراء السحاب تنشر ضياءها في الافاق , ولكن استفادة الناس من هذا الضياء يكون بحسب الشخص لا بحسب الشمس , فمن لم تكن له إلا كوة صغيرة فإنه يستفيد منها بقدر تلك الكوة , ومن كانت له مزارع شاسعة كان عظم استفادته بمقدار سعة مزارعه.

و الإمام عليه السلام فيض عطائه و بركاته في حال غيبته غير محجوب عن أحد , ولكن كل يستفيد منه بحسب ماله من القابليات و الاستعداد , فمن الناس من يرتقي ليكون ركناً من اركان دولته و لا يرى للجنة مع صحبته عليه السلام قياساَ إذ وصل حد الذوبان في وجوده المبارك , و منهم من لا يذكره إلا إذا ضغطته الحاجة أو أشاحت عنه الدنيا بوجهها.

قال تعالى : (أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها )

 

5.  انتظار الظهور

     إن الشمس رغم كل ما تنشره من البركات في حال استتارها وراء الحجاب , إلا أنها لو اسفرت فلا شك يكون خيرها أكبر و أشد ؛ لذا فإن الناس تبقى تنتظر خروجها من وراء السحاب لما جبلوا عليه من حب الكمال و لما علموه من عظيم نفعها مسفرة.

و الإمام عليه السلام رغم عظيم نفعه حال غيبته , الذي تعرضنا لشطر منه آنفاً , إلا أن ظهوره المبارك لا شك سيكون أكثر نفعاً و بركةً , فعند ظهوره تقوم دولة العدل الإلهي , و يرجع الظلم و الجور خاسئاً مدحورا , فينشر الإسلام الحقيقي لواءه على ربوع المعمورة فينتصف للضعفاء و المظلومين و يعم الخير و الرخاء, فلا شك تبقى الناس منتظرة لظهوره المقدس , وهذا الانتظار فيه الخير الكثير , فهو إعداد للنفوس التواقة للخير , و تهذيب عن كل ما ينقص و ينزل من قدر انسانية الانسان.

 

و الحمد لله رب العالمين

  • شارك الموضوع :