شبهات وردود حول آية الولاية
بسم الله الرحمن الرحيم
شبهات وردود حول آية الولاية
تعتقد الشيعة الإمامية الأثني عشرية أنّ منصب الإمامة والخلافة بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بيد الله تعالى وحده حتى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليس له أن بُعيّن أحداً من بعده إلا بأمر السماء .
وهذا ما حصل حيث عيّن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأمر السماء علياً ( عليه السلام ) وليّاً وخليفة من بعده ونزل القرآن بذلك ، ومن الأدلة على ذلك آية الولاية الآية ٥٥ من سورة المائدة حيث يقول تعالى : 《 إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون 》حيث أنّها نزلت في حق الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
ولكن هناك شبهات طرحت حولها من جهات عديدة ، ونحن سنذكر هذه الشبهات ونردّها.
انكار نزول الآية في حق أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ):
الشبهة الأولى : وهي انكار نزول الآية في حق عليّ (عليه السلام )
· قال ابن تيمية في منهاج السنة : وقد وضع بعض الكذابين حديثا مفتري أن هذه الآية نزلت في علي لما تصدق بخاتمه في الصلاة وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل وكذبه بين من وجوه كثير .
· وقال ابن قيم الجوزية تلميذ ابن تيمية في كتابه الصواعق المرسلة : وهذا كذب قطعا على الله أنه أراد عليا وحده بهذا اللفظ العام الشامل لكل من اتصف بهذه الصفة
· وذكر ابن كثير في تفسيره بعد أن سرد الروايات الدالة على نزولها في حق عليّ ( عليه السلام ) أنّه ليس يصحّ شيءٌ منها بالكلية ؛ لضعف أسانيدها وجهالة رجالها.
والحق أنّ من الروايات الواردة في أنّ الآية نزلت في حقّ عليّ ( عليه السلام ) روايات معتبرة ذكرها السيّد محمد الحسيني القزويني كتاب نقد كتاب أصول مذهب الشيعة وصححها على وفق مذهب أهل السنّة قال في ص ٤٤٠- ٤٥٣ ج١ : لقد وردت عدة من الأسانيد المعتبرة لهذا الخبر من بين تلك الطرق الكثيرة له ، ننقل بعضاً منها على سبيل المثال :
أولاً : رواية ابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل
وهي من الأسانيد المعتبرة ، فقد أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي سعيد الأشج : ثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول ، ثنا موسى بن قيس الحضرمي ، عن سلمة بن كهيل ، قال : 《 تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت (( إنّما وليُّكم )) 》
فرجال السند كلهم ثقات، وممن يحتج بروايتهم، وهم :
١ – ابن أبي حاتم: وهو الحافظ المشهور والناقد المعروف ، صاحب التفسير ، شيخ المحدثين، الذي برع في المتن والإسناد ، فقد جمع وصنّف وجرح وعدّل.
٢ – أبو سعيد الأشج : وهو عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي، من رجال الصحاح الستة ، قال الذهبي: قال أبو حاتم : ثقة، إمام أهل زمانه، وقال الشطوي: ما رأيت أحفظ منه ، وقال ابن حجر : ثقة .
٣ – الفضل بن دكين : من رجال الصحاح الستة ، عن ابن أبي حاتم ، قال: سألت أبي عن أبي نعيم الفضل بن دكين ؟ فقال : ثقة.
وقال الذهبي : الفضل بن دكين الحافظ أبو نعيم ...[ روى ] عنه البخاري وأبو زرعة واُمم.
وقال ابن حجر: ثقة ثبت ، وهو من كبار شيوخ البخاري.
٤ – موسى بن قيس الحضرمي : روى ابن أبي حاتم ، عن يحيى بن معين، قال : موسى بن قيس الحضرمي ثقة ، وقال ابن أبي حاتم: سألت عنه أبي ؟ فقال : لا بأس به.
وقال الذهبي : ثقة شيعي.
وقال ابن حجر : 《 موسى بن قيس الحضرمي ، ابو محمد الفرّاء الكوفي، يلقّب عصفور الجنة ، صدوق ، رُمِيَ بالتشيّع 》.
٥ – سلمة بن كهيل : أبو يحيى الكوفي، من كبار علماء التابعين وقد اشتهر بوثاقته وثبته في الحديث ، ولم نعثر على من طعن فيه أو في وثاقته ، قال المزي في التهذيب : 《 قال أبو طالب، عن أحمد بن حنبل: سلمة بن كهيل متقن للحديث، وقيس بن مسلم متقن للحديث ما تبالي إذا أخذت عنهما حديثهما.
وقال إسحاق بن منصور ، عن يحيى بن معين : ثقة.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي : كوفي تابعي ثقة ثبت في الحديث... فالرواية صحيحة ، وصالحة للاحتجاج بها.
ثانياً : رواية ابن أبي حاتم عن عتبة ابن أبي حكيم
أخرج ابن أبي حاتم في تفسير الآية ، قال : 《 حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، ثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله : (( إنّما وليُّكم اللهُ ورسولُهُ والذين آمنوا )) قال : علي بن أبي طالب》
رجال السند هم :
١ – ابن ابي حاتم، تقدمت الإشارة إليه.
٢ – الربيع بن سليمان المرادي : أبو محمد المصري المؤذن، صاحب الشافعي، قال الذهبي : 《 المؤذّن الفقيه الحافظ 》
وقال ابن حجر : 《 ثقة 》.
٣ – أيوب بن سويد : الرملي، أبو مسعود الحميري . وهذا الرجل قد اختلف فيه ، وقد وثقه ابن حبّان. وكذلك نجد أنّ الحاكم النيسابوري وابن حجر العسقلاني والألباني عندما يعلّقون على الأحاديث التي ورد فيها ( أيوب بن سويد ) يوثّقون تلك الأسانيد ، وهذه قرينة على اعتبار رواياته وإن جرحه بعضٌ ، قال ابن حجر العسقلاني قي التقريب : 《 صدوق يخطئ 》
وقال الحاكم بعد ذكر حديث هو في سنده : 《 هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه 》
وقال أيضاً في موضع آخر : 《 صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه 》
قال ابن حجر في حديث هو في سنده : 《 ورجاله ثقات 》، ثم قال : 《 وأخرجه أيّوب بن سويد، عن... قال ابن القطّان : حديث ابن عباس صحيح 》
وذكر الألباني حديثاً هو في سنده ، وعقّب عليه قائلاً : 《 حديث صحيح بما قبله ، فإنّ أيوب بن سويد صدوق يخطئ، وبقيّة رجاله ثقات 》
وهذا يعني أنّ حديثه حسن في نفسه.
وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال : 《 يتّقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه ؛ لأنّ أخباره إذا سبرت من غير رواية ابنه عنه وجد أكثرها مستقيمة 》
وهذا الحديث لم يروه ابنه عنه ، وإنّما رواه الربيع بن سليمان.
٤ – عتبة بن أبي حكيم : الهمداني ، أبو العباس ، قال مزي : 《 قال محمود بن خالد السلمي : سمعت مروان بن محمود الطاهري يقول : عتبة بن أبي حكيم ثقة من أهل الأردن، وقال عباس الدوري والمفضّل بن غسّان الغلابي ، عن يحيى بن معين : ثقة ... وقال أبو القاسم الطبراني : عتبة بن أبي حكيم من ثقات المسلمين 》
وذكره ابن حبّان في الثقات.
وقال ابن أبي حاتم : 《 سئل أبي عنه ؟ فقال : صالح لا بأس به 》
قال عنه النوري : 《 وقد اختلفوا في توثيقه ، فوثّقه الجمهور ، ولم يبيّن من ضعفه سبب ضعفه ، والجرح لا يقبل إلا مفسّراً، فيظهر الاحتجاج بهذه الرواية 》
وروى الحاكم في المستدرك أحاديث لعتبة بن أبي حكيم وصحّحها ووافقه الذهبي عليها في التلخيص.
ثالثاً : رواية ابن جرير الطبري عن عتبة بن أبي حكيم
قال : 《 حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي ، قال : ثنا أيوب بن سويد، قال : ثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية : (( إنّما وليُّكم اللهُ ورسولُهُ والذين آمنوا )) قال : علي بن أبي طالب 》
رجال سند الرواية هم :
١ – ابن جرير الطبري : هو محمد بن جرير بن يزيد ، أبو جعفر الطبري ، قال الذهبي : 《 كان ثقة ، صادقاً ، حافظاً ، رأساً في التفسير ، إماماً في الفقه والإجماع والاختلاف...》.
٢ – إسماعيل بن إسرائيل الرملي : أبو محمد ، قال الرازي في الجرح والتعديل : 《 كتبنا عنه وهو صدوق 》
وأخرج عنه حديثاً في تفسيره.
٣ – أيوب بن سويد ، تقدّمت الإشارة إليه .
٤ – عتبة بن أبي حكيم ، تقدّمت الإشارة إليه.
وعلى هذا فالرواية جيدة السند وتثبت أن عتبة كان يعتقد بنزول الآية في أمير المؤمنين .
رابعاً : رواية الحاكم النيسابوري عن علي ( عليه السلام )
قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفّار ، ثنا أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي بإصبهان ، قال : ثنا يحيى بن الضريس، قال : ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه عن جدّه ، عن عليّ، قال نزلت هذه الآية على رسول الله : (( إنّما وليُّكم اللهُ ورسولُهُ والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) فخرج رسول الله ودخل المسجد ، والناس يصلّون بين راكع وقائم ، فصلى ، فإذا سائل ، قال : يا سائل ، أعطاك أحد شيئاً ؟ فقال : لا ، إلا هذا الراكع – لعلي – أعطاني خاتماً 》
ورجال سند الرواية هم :
١ – محمد بن عبد الله الصفّار : قال الذهبي : 《 الشيخ الإمام المحدّث القدوة ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أحمد الإصبهاني الصفّار الزاهد 》
وقال السمعاني : 《 كان زاهداً ، حسن السيرة ، ورعاً ، كثير الخير ، سمع بإصبهان ... ذكره الحاكم أبو عبد الله في تاريخ نيسابور ، فقال : أبو عبد الله الصفّار الإصبهاني ، محدّث عصره بخراسان ، كان مجاب الدعوة ، لم يرفع بصره الى السماء 》
٢ – أبو يحيى عبد الرحمن بن محمد : قال عبد الله بن حبان : 《 كان من محدّثي إصبهان ، وكان مقبول الحديث ، إمام مسجد الجامع 》
وقال عنه الذهبي : 《 الحافظ المجوّد ، العلامة ، المفسر ... وكان من أوعية العلم ، صنّف المسند والتفسير وغير ذلك 》
٣ – محمد بن يحيى بن الضريس : قال الرازي في الجرح والتعديل : 《 سمع منه أبي وروى عنه ، سمعت أبي يقول ذلك : نا عبد الرحمن ، قال : سئل أبي عنه ؟ فقال : صدوق 》
وأخرج له الحاكم أحاديث في المستدرك، وسكت عنها الذهبي في تلخيصه .
٤ – عيسى بن عبد الله العلوي ، ذكره ابن حبان في الثقات.
٥ – عبد الله : وهو عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب ، قال عنه الذهبي : 《 ثقة 》
وأمّا ما ذكر في سند الرواية من أنّ والد عبد الله هو عبيد الله فهو اشتباه وتصحيف ، فلا وجود لهذا الشخص في كتب الرجال والتراجم ، كما ذكر ذلك ابن حبّان في الثقات ، والذهبي في الميزان، وابن حجر في لسان الميزان . نعم هناك راوٍ باسم عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وليس ابن عمر بن علي بن أبي طالب.
ولعلّ سبب الاشتباه والتصحيف هو : أنّ عمر بن علي قد ذكروا أنّ لديه ولدين هما محمد وعبيد الله ، فنسبوا عبد الله الى عمّه ، أو أنّ سبب الإشتباه هو أنّ عبد الله بن محمد له أخ يدعى عبيد الله بن محمد ، والله العالم
٦ – محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب : قال عنه الذهبي 《 ثقة 》
وقال ابن حجر : 《 صدوق 》
٧ – عمر بن علي بن أبي طالب ، قال ابن حجر : 《 ثقة 》
وقال الذهبي : 《 وثّق 》.
فالرواية معتبرة السند ويمكن الاعتماد عليها .
وبهذا نكون قد نقلنا مجموعة من الطرق الصحيحة والمعتبرة التي تثبت أنّ آية الولاية قد نزلت في أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عندما تصدّق بخاتمه ، بالإضافة الى عدد كبير من الطرق والأسانيد الاُخرى التي نقلت هذا المعنى والتي جاءت في كثير من المصادر ، والتي نقلنا قسماً منها وتركنا الباقي رعاية للاختصار ، وهذه الطرق التي ذكرناها يمكن أن يقوّي ويشدّ بعضها بعضاً ، كما نبّه الى ذلك الحافظ السيوطي ، فبعد أن نقل بعض هذه الطرق قال : فهذه خمس طرق لنزول الآية الكريمة في التصدق على السائل في المسجد يشدّ بعضها بعضاً 》 فتورث الاطمئنان والوثوق بصحتها.
هذا ، وقد نقل بعض هذه الطرق الحافظ ابن حجر في تخريجه لأحاديث الكشّاف ، ولم يخدش ببعض طرق هذه الروايات ، مع أنّه طعن في بعضها الآخر، ممّا يشكل قرينة قوية على صحّة ذلك ، نعني بعضه الذي لم يخدش 》انتهى ما أردنا نقله عن السيد محمد الحسيني القزويني.
هذا ، وقال القاضي عضد الدين الإيجي في كتاب المواقف المطبوع مع شرحه للشريف الجرجاني ج ٣ ص ٦٠١ : 《 الثاني : (( إنّما وليكم الله ...الآية )) ... وأجمع أئمة التفسير أن المراد علي . وللإجماع على أن غيره غير مراد 》
ولم يناقش في الإجماع.
وقال سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد ج ه ص ٢٧٠ 《 (( إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) نزلت باتفاق المفسرين في علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) حين أعطى السائل خاتمه وهو راكع في صلاته 》
هذا ، وإنّ بعض طرق وأسانيد الرواية إذا كان ضعيفاً فلا يضرّ ؛ لأنّ بعضها الآخر صحيح ، على أنّه على قاعدة بعضها يقوي ويشد البعض دليل آخر على الإطمئنان نزولها في علي ( عليه السلام ) لولا القطع.
قال ابن تيميّة في ، كتب ورسائل وفتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية، ج 18، ص 26، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي، ناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الثانية. حسب موقع مؤسسه تحقيقاتي حضرت ولي العصر ( عجل الله فرجه الشريف ) على شيكة الإنترنت : تعدد الطرق وكثرتها يقوي بعضها بعضا حتي قد يحصل العلم بها ولو كان الناقلون فجارا فساقا فكيف إذا كانوا علماء عدولا ولكن كثر في حديثهم الغلط.
والحمد لله رب العالمين