image

اشكال هيوم علی دليل النظام

09-07-2023

اشكال هيوم علی دليل النظام

من الأدلة المهمة علی إثبات وجود صانع للكون يتصف بالعلم و الحكمة و القدرة و الإرادة هو برهان النظم ، فهو من البراهين التي تتجذر في الرسوخ كلما أتسع نطاق البحث العلمي و ازداد سبر الإنسان لأسرار هذا العالم المادي .


وبرهان النظم يفيد بأننا بالوجدان و بحسب معطيات العلوم التجريبية الحديثة نقطع بوجود النظام و الدقة العظيمين في عالمنا هذا ، إذ كل ما فيه وجد بطريقة يكمل بعضه البعض الاخر و يعضد بعضه عمل البعض الاخر للوصول إلی غايةٍ ما كانت لتحصل لولا وجود هذا التناغم العجيب بين أجزاء هذا العالم و التكامل بين قوانينه التي تحكمه سواء كانت فيزيائية أو كيميائية أو بايلوجية أو فلكية و غيرها من القوانين التي اكتشفها الإنسان.

فالعقل في مواجهة كل هذا النظام ليس له إلا أن يذعن قاطعاً بأن وراء هذا النظام منظماً ، و أن لهذا العالم صانعاً ذا شعور و علم و قدرة و إرادة ، هو علة هذا النظام و الإبداع ، لاستحالة وجود المعلول من دون علة .

وقد ابدع جملة من علماء الطبيعة و الرياضيات في ترسيخ صغری هذا الدليل كلٌ بحسب اختصاصه لإثبات استحالة أن يكون هذا العالم نتاجاً للصدفة ، أو وليداً للعشوائية ، ولعل جملة من هذه الجهود انتظمت تحت عنوان التصميم الذكي.


ولكن هذا البرهان تعرض لإشكالات هي في الواقع لا تعدو أن تكون مغالطات ، منها ما طرحه الفيلسوف الاسكتلندي ديفيد هيوم من اشكال مفاده أن هذا البرهان قيس فيه الكون الطبيعي علی المصنوعات البشرية ، وهو قياس مع الفارق ، فإننا عندما نری الجدار نحكم بأن هناك شخصاً بناه لأننا رأينا جدراً كثيرة كانت نتاج البنائين فصرنا نحكم بوجود البناء بمجرد رؤية الجدار ، و لكن قياس هذه الأمور علی الكون غير صحيح ، فلا يمكن من خلال ملاحظة الكون المنظم أن نجزم بأن هناك صانعاً صنع هذا الكون قياساً لهذا علی مثال الجدار و أضرابه لأننا لم نشهد

سابقاً أكواناً أخری كان لها صانعون حتی نحكم بأن الكون له صانع ، فالكون الطبيعي لا يمكن قياسه علی المصنوعات البشرية ، إذ يجوز أن يكون الشيء الطبيعي موجوداً من دون صانع.

هذه هي فكرة الاشكال الذي طرحه ديفد هيوم .


و يجاب عن هذا بأن ديفد هيوم صاغ إشكاله اعتماداً علی نظريته في المعرفة التي تعتبر المنهج التجريبي هو المنهج الوحيد الموصل للحقيقة ، فيعتقد أن كل ما لا تناله التجربة لا يمكن إثباته ، ناسياً أو متناسياً أن برهان النظم لا يعتمد علی المنهج التجريبي إلا في صغری الدليل أي في إثبات وجود النظام في الكون ، أما الانتقال من وجود النظام إلی وجود المنظم فلم يعتمد فيه إلا علی بديهة عقلية هي استحالة وجود المعلول من دون علة وهي لا تحتاج إلی تجربة أو تكرار مشاهدة لأكوانٍ سابقة ، فبمجرد إدراك العقل لوجود النظام - بدلالة الوجدان و نتائج العلوم التجريبية - فإن العقل ينتقل مباشرة إلی ضرورة وجود الصانع لهذا الكون إذ النظام معلول حادث لم يكن ثم كان فلابد له من علة أوجدته ، لاستحالة وجود المعلول من دون علة .


فالنقاش مع هيوم و اضرابه لابد أن يكون علی مستوی نظرية المعرفة ، وهل أن المنهج التجريبي هو المنهج الوحيد في جميع الابحاث ، أم أن هناك مجالات خری لابد فيها من المنهج العقلي ؟


هذا والحمد لله رب العالمين

  • شارك الموضوع :