image

أن علياً كان فقيراً فكيف تجب عليه الزكاة ؟!

06-07-2023

أن علياً كان فقيراً فكيف تجب عليه الزكاة ؟!


بسم الله الرحمن الرحيم

اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي يَخْلُقُ وَلَمْ يُخْلَقْ , وَيَرْزُقُ وَلا يُرْزَقُ , وَيُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ , وَيُميتُ الاْحياءَ وَيُحْيِي الْمَوْتى وَهُوَ حَيٌّ لا يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شيء قَديرٌ .

والصلاة والسلام على رسول الله وحبيبه وصفيه ومبلغ رسالاته سيدنا ونبينا ومولانا ابى القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .

بيان الشبهة :

قول الشيعة أنّ علياً أعطى خاتمه زكاة في حال ركوعه فنزلت الآية ، مخالف للواقع , ذلك أنّ علياً (رضي الله عنه) لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي (صلى الله عليه وسلم)، فإنه كان فقيراً ، وزكاة الفضة إنّما تجب على من ملك النصاب حولاً، وعلي لم يكن من هؤلاء . كذلك فإنّ إعطاء الخاتم في الزكاة لا يجزي عند كثير من الفقهاء إلا إذا قيل بوجوب الزكاة في الحلي ، وقيل : إنّه يخرج من جنس الحلي ، ومن جوز ذلك بالقيمة فالتقويم في الصلاة متعذر، والقيم تختلف باختلاف الأحوال .

الجواب:

الزكاة لا تختص بالزكاة الواجبة بل تشمل الصدقة والشبهة ترتكز على أنّ لفظة (الزكاة) التي ذكرت في الآية هي بمعنى الزكاة المصطلحة الواجبة ، وأنّ علياً عليه السلام لم يكن غنياً حتى تجب عليه هذه الزكاة ، كما أنه على تقدير كونه كان غنياً فإنّ دفع الخاتم لا يجزي عن الزكاة الواجبة , لذا فإنّ الآية ليست نازلة في حقه كما تدعي الشيعة.

وهذه المرتكزات كلها ليست صحيحة ، وذلك ببيان : أنّ الزكاة لغةً هي النماء والطهارة والبركة والمدح ، قال ابن الأثير: «وأصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح ، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث»(1).

«قال ابن قتيبة : الزكاة من الزكاء والنماء والزيادة ، سميت بذلك , لأنها تثمر المال وتنميه ، يقال : زكا الزرع إذا كثر رَيعه ، وَزَكت النفقة : إذا بورك فيها»(2).

وغلبة استعمال لفظ (الزكاة) في معناها المصطلح المعروف إنّما نشأت متأخرة في عرف المتشرعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين ، وأما الذي تعطيه اللغة ـ كما هو واضح ـ فهو أعم من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرعة.

وتسمية إخراج المال المخصوص في الزكاة المصطلحة أو إنفاقه في سبيل الخير بالزكاة ـ التي تعني الطهارة والنماء ـ من باب أنّ ذلك سبب لطهارته أو لنمائه وزيادته.

فيدخل تحت عموم لفظ (الزكاة): الزكاة الواجبة المعروفة ، وكذا الزكاة المستحبة وهي التصدق بالمال وإنفاقه في سبيل الله تعالى.

وحين تطلق هذه الكلمة ، أو تقابل كلمة الصلاة فإن المراد بها غالباً بحسب تتبع الاستعمالات القرآنية وغيرها : هو التصدق والإنفاق لوجه الله تعالى ، كما في قوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب : {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ } [الأنبياء: 73] ،

وقوله تعالى في إسماعيل عليه السلام :{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا } [مريم: 55] ،

وقوله تعالى حكاية عن عيسى عليه السلام في المهد : {وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 31] ، ومن الواضح أنه لم يكن في شريعتهم وجوب الزكاة بالمعنى المعروف في الإسلام.

وكذلك حين نلحظ الآيات التي نزلت في مكة المكرمة قبل تشريع الزكاة المخصوصة ، فإن هناك العديد من الآيات التي استعملت كلمة (زكاة) وأرادت منها التصدق والإنفاق ، من قبيل قوله تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15] ، وكذا قوله تعالى: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 18] ، وقوله تعالى : {الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 7] ، وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] .

قال السيد الطباطبائي : «بل آية الزكاة ـ أعني قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} ـ تدل على أنّ الزكاة من أفراد الصدقة , وإنما سميت زكاةً لكون الصدقة مطهرة مزكية مطلقاً ، فلا مانع من تسمية مطلق الصدقة والإنفاق في سبيل الله زكاةً»(3).

وهكذا ـ بناءً على أنّ كلمة (الزكاة) في الآية المباركة ظاهرة في معنى الإنفاق والتصدق ـ سوف لا يؤدي ذلك إلى رفض كون الآية نازلة في علي عليه السلام .

ولو أصر المخالف على أنّ المراد بها هو الزكاة المصطلحة وأنّ علياً عليه السلام من البعيد جداً أنه كان غنياً لتجب عليه الزكاة.

فنقول : إنّ هذا الاستبعاد ليس في محله , «لأنه غير ممتنعٍ وجوبها عليه في وقت من الأوقات بحصول أدنى مقادير النصاب الذي تجب في مثله الزكاة ، وليس هذا من اليسار المستبعد فيه , لأنّ ملك مائتي درهم لا يسمى مؤسراً»(4).

فليس من قيود وجوب الزكاة أن يكون المكلف غنياً ثرياً ، بل الذي يشترط هو امتلاكه حد النصاب الذي إذا ملكه الشخص تجب عليه تزكيته ، وإن لم يسم في نظر العرف غنياً.

وليس بعيداً على الإمام علي عليه السلام أن يمتلك هذا المال البسيط ، خصوصاً وأنّ بعض الأحاديث تنقل لنا أنه امتلك بعض المال من كد يمينه وعرق جبينه ، وتصدق به في سبيل الله ، وقد نقلوا في هذا المجال أنه عليه السلام أعتق وحرر ألف رقبة من الرقيق ، كان قد اشتراهم من ماله الخاص الذي كان حصيلة كده ومعاناته ، فقد روى الشيخ الكليني في الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام : أنّ أمير المؤمنين عليه السلام أعتق ألف مملوك من كد يده (5).

أضف إلى ذلك فقد كان عليه السلام يحصل أيضاً على حصته من غنائم الحرب ، وعلى هذا الأساس فلا يمتنع عليه ملكية مائتي درهم لكي تجب فيهما الزكاة.

فهو يستطيع إذن أن يمتلك حد النصاب الذي تجب فيه الزكاة ، وليس هذا ممتنع عقلاً ، كيف لا وهو يقول : «ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفّى هذا العسل، ولباب هذا القمح ، ونسائج هذا القزّ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ، ولعلّ بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ، ولا عهد له بالشبع»(6).

وبعد هذا يبقى إشكال : أنّه كيف يجوز إخراج خاتم الفضة عن الزكاة الواجبة ؟ وقبل الإجابة عن هذا الاعتراض نقول : إنّ في المسألة عدة احتمالات ممكنة :

أولاً : فيما يخص تعلق الزكاة : يوجد احتمالان ، هما : أنّ الواجب يمكن أن يكون قد تعلق بجنس الفضة النقدية بالخصوص ، وكذا يمكن أن يكون قد تعلق بجنس الفضة التي هي من الحلي .

ثانياً : فيما يخص الأداء : أيضاً يوجد احتمالان : فيمكن أن يكون الأمير عليه السلام قد أخرج الواجب من جنس ما تعلقت به الزكاة ، فيما لو كان قد تعلق الواجب الزكوي بالحلي ، فأخرج الخاتم من جنس الحلي . كما يمكن أن يكون قد أخرج الخاتم كقيمة بدلاً عن الجنس فيما لو كان قد تعلق الواجب بالفضة النقدية.

فهذه مجموعة من الاحتمالات الممكنة ، ويكفي في دفع الشبهة عدم امتناع أحد هذه الاحتمالات.

ونحن نختار إمكانية احتمال أن يكون الواجب قد تعلق بجنس الفضة النقدية ، أي بالمائتي درهم فضة ، كما نختار أنّ ما أخرجه هو القيمة بدلاً عن الجنس.

وإشكال عدم جواز دفع القيمة بدلاً عن العين مندفع : بأنه لم يثبت عدم الجواز عند كل الفقهاء ، فقد جوزه الكثير من علماء الطائفتين ، فعند الشيعة الأمر معروف ، فقد قال به مشهور فقهائهم ، فكل ما له قيمة وينتفع الفقراء بمثله جائز أن يخرج في الزكاة ، وكذا عند أهل السنة ، فقد ذهب إلى جوازه أبو حنيفة وغيره ، قال في المغني : «وقال الثوري وأبو حنيفة : يجوز، وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز والحسن ، وقد روي عن أحمد مثل قولهم»(7).

وقد نقل القرطبي في تفسيره (8) خمسة أدلة تثبت الجواز، وفي بعض هذه الأدلة ما لا يمكن الاعتراض عليه ، فيجب والحال هذه أن تراعى المصلحة للمزكي ، فله الحق أن يخرجها من تلك السلع ، لا سيما أنّ الدين يُسرٌ وليس عسراً ، وقد أشار ابن تيمية إلى هذه الحيثية ، قال في فتاويه: «وقد قال في الحديث الصحيح : إنّما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسّرين»(9).

ويبقى اعتراض يتوجه إلى إخراج القيمة ، وهو أنّ حساب القيمة البدلية تحتاج إلى تقويم جنس الفضة ومعرفة قيمتها ، ثم دفع قيمة المثل ، وقال : إنّ مثل هذا التقويم متعذر في أثناء الصلاة.

وهذه الشبهة مرتفعة , وذلك باحتمال أن يكون الإمام عليه السلام قد حسب القيمة قبل شروعه في الصلاة ودفع في الأثناء.

كما أنّه من المحتمل أنّ الإمام عليه السلام دفع ما هو أكثر من القيمة ، فقد تكون قيمة ما دفعه أكثر من قيمة الجنس الزكوي ، بل قد يقال : بأنه لا تأثير أصلاً لقيمة الخاتم من حيث الزيادة والنقصان , وذلك لاحتمال أن يكون عليه السلام قد دفع الخاتم عمّا في ذمته ، وبعد الصلاة يقوّم ما كان قد أعطاه ، فإن وجده ناقصاً أكمله من مال آخر ولو في مورد آخر، وإن كان زائداً عن الصدقة فلا يبالي بذلك ، وهو المعروف بكثرة صدقاته وإحسانه.

وبهذا يرتفع هذا الاعتراض الذي أورده المستشكل ، اعتماداً منه على أسلافه الذين نقلوا قبله مثل هذه الاعتراضات من دون دراية وتمحيص.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث : ج2 ص307، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

(2) ابن قدامة ، المغني : ج2 ص433، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

(3) الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن: ج6 ص11، الناشر: جماعة المدرسين ـ قم.

(4) السيد المرتضى ، الشافي في الإمامة : ج2 ص238، الناشر: مؤسسة إسماعيليان ـ قم.

(5) الكليني ، الكافي : ج5 ص74، الناشر: دار الكتب الإسلامية ـ طهران.

(6) نهج البلاغة : ج3 ص71ـ 72، شرح الشيخ محمد عبده ، الناشر: دار الذخائر.

(7) عبد الله بن قدامة ، المغني : ج2 ص671، الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت.

(8) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن : ج8 ص175، الناشر: دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.

(9) ابن تيمية ، مجموع الفتاوى : ج22 ص314، الناشر: مكتبة ابن تيمية.

  • شارك الموضوع :