أثناء رحلتي الطويلة مع التراث كانت تستوقفني الكثير من الروايات والاجتهادات والأقوال التي تبعث الشك[1] في نفسي على مستوى تراث السنة وتراث الشيعة . . فما الذي يميز تراثا عن الآخر ؟ . .
وكانت الإجابة على هذا السؤال تقتضي أن نحدد ملامح الخلاف بين التراثين :
1- فالتراث السني يعتمد على الصحابة . . بينما التراث الشيعي يعتمد على آل البيت . .
2- والتراث السني يتبنى التعايش مع الحكام . . بينما التراث الشيعي يرفض هذا التعايش . .
3- التراث السني تغلب عليه أقوال الرجال . . بينما التراث الشيعي يغلب عليه النص .
4- التراث السني نتج من حالة سلام مع الواقع . . بينما التراث الشيعي في حالة صدام معه . .
5- التراث السني يضيق على العقل . . والتراث الشيعي يحترم العقل . .
6- كما كان لتبني الشيعة قضية الإمامة الدور المهم الذي ميز التراث الشيعي وأوجد فيه الكثير من الاجتهادات والمواقف التي انعكست على الفقه والعقيدة والتصور الشيعي بشكل عام، ومن أبرز نتائجها حصر مصدر التلقي في دائرة آل البيتD المقصودين بالإمامة، ورفض الخطوط الأخرى التي خالفت نهجهم.
والأمر المهم أن القاعدة التي وضعت من قبل الشيعة لضبط حركة الرواية ووقف عملية الوضع والاختلاق هي أدق وأكثر ارتباطا بالنص من قاعدة السنة:
أ- فالقاعدة الشيعة تنص على أن الحديث الذي يخالف القرآن والنص المتواتر والعقل يضرب به عرض الحائط .. بينما قاعدة السنة تعتمد على علم الرجال والبحث في سند الرواية.
ب- قاعدة الشيعة تركز على متن الرواية . . بينما قاعدة السنة تركز على سندها .
ج-إن قاعدة الشيعة سوف ينتج عنها غربلة التراث وتنقيحه . بينما قاعدة السنة سوف ينتج عنها إبقاء التراث على حاله وزيادة حدة التباعد بينه وبين القرآن والعقل .
وعلى ضوء قاعدة الشيعة تم تمحيص الكثير من الروايات في التراث الشيعي ومحاكمة الروايات الأخرى ووضعها تحت دائرة الضبط والتنقيح.. بينما في الجانب الآخر تم اعتماد الكثير من الروايات رغم مخالفتها لنصوص القرآن ومصادمتها للعقل بسبب أن سند هذه الروايات سليم ورجاله رجال الصحيح. أي أنه ما دامت قد ثبتت عدالة الرواة فقد ثبتت صحة الرواية ولو كانت تخالف القرآن..
وأهم ما سوف ينبني على قاعدة تحكيم القرآن والعقل هو تحجيم دور الرجال وعزل أقوالهم عن النصوص والحيلولة دون طغيان هذه الأقوال عليها، وهي من أهم مميزات التراث الشيعي على بقية المذاهب الأخرى التي تفتقد لهذه القاعدة فتغلب فيها الرجال على النصوص .
إن عزل القرآن والعقل عن التراث والحيلولة دون أن يقوما بدورهما كحكمين عليه إنما هي مؤامرة على الإسلام من اختراع السياسة الهدف منها إمرار الروايات المختلقة والموضوعة التي سوف تسهم في صياغة الإسلام وطمس هويته الحقة وإبدالها بهوية زائفة تخدم مصالح الحكام وتضفي المشروعية عليهم، وكان من أهم نتائجها :
- أن هناك الكثير من النصوص المنسوبة للنبي تفوح منها رائحة السياسة وتصطدم بالعقل وقواعد الإسلام وحقائق ثابته..
- أن هناك تشويها متعمدا لشخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)..
- أن هناك موقفا عدائيا من جميع الأطروحات والاجتهادات والشخصيات التي خالفت الخط السياسي السائد وأن هذا الموقف تلحف بالإسلام..
- أن هناك تضخيما لمواقف وشخصيات معينة على حساب شخصيات أخرى..
- أن هناك شبهات سياسية تحوم حول رواة الأحاديث وعملية تدوينها وجمعها..
- أن هناك تلميعا دائما للحكام وإخفاء المشروعية عليهم من قبل الفقهاء..
ومثل هذه النتائج تكفي للشك في الأطروحة السائدة وتوجب ضرورة إعادة النظر فيها والعمل على تنقيتها مما علق بها من تراكمات تاريخية هي في مجملها من صنع السياسة ومن خضع لها من الفقهاء ومؤرخين والمحدثين وغيرهم..
أخيراً .. إن تحكيم القرآن والعقل يعني الانتماء للنص لا للتراث . . والنص هو الحكم على التراث وليس العكس . . من هنا فإن الرجال عند الشيعة إنما هم تحت النصوص وليسوا فوقها . وهذا ما استراح إليه عقلي واطمأنت به نفسي إنني عندما تبنيت الأطروحة الشيعية لم أستبدل تراثا بتراث . ولم أنتقل من عبادة رجال إلى عبادة رجال .. عندما التزمت بخط آل البيت b إنما التزمت بخط النص لا بخط الرجال .
[ينظر : الخدعة - صالح الورداني : ص 49 – 51]
[1] من هنا فقد تبنيت منهج الشك وجعلته شعاري وأنا أخوض في كتب التراث بحثا عن الحقيقة ولم يكن البحث بالأمر السهل فقد طغت على النصوص أقوال الرجال بحيث أصبح التفريق بينهما أمرا في غاية الصعوبة.